* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

mardi 28 mars 2017

مكارم الأخلاق

أحاديث رمضان 1424 هـ - مكارم الأخلاق - الدرس (14-32) : صلة الرحم لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-11-13 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. معنى الرحم وبيان حكمها: وبعد: فالخُلق اليومَ صلةُ الرحم، صلة الرحم في التعريف الجامع المانع: هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارةً بالزيارة والسلام، وغير ذلك، ولكن أرى أن صلة الرحم تبدأ بالسلام، وتتابع بالزيارة، ثم بتفقد الأحوال المعيشية والتربوية، ثم بالإحسان، ثم بأخذ يد هذا القريب إلى الله، تبدأ بالسلام وتنتهي بالهداية، وذو أفق ضيق جداً: مَن تصور أن صلة الرحم لا تزيد على أن تزوره في العيد، وأنت في عليائك، وهو في أسوأ حالاته، تبدأ بالسلام، وتتابع بالزيارة، ثم بالتفقد، ثم بالمعاونة، ثم بالهداية، ولا تؤتي صلة الرحم ثمارها إلا إذا انتهت بأن يكون هذا القريب في أحسن حال مع الله، ومع خَلقه، صلة الرحم بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة واجبة، وقطيعتها معصية كبيرة. أهمية صلة الرحم في القرآن الكريم: وبالوالدين إحسانا أيها الأخوة, الآيات التي تتحدث عن صلة الرحم تزيد على خمس عشرة آية: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [سورة الإسراء الآية: 23] ﴿وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾ [سورة البقرة الآية: 177] ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [سورة النحل الآية: 90] ﴿وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [سورة البقرة الآية: 177] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [سورة النساء الآية: 1] يعني اتقوا الله أن تقطعوا أرحامكم، اتقوا غضب الله بقطيعة أرحامكم. وبشكل عام: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [سورة الرعد الآية: 21] كتاب صلة الأرحام: أيها الأخوة, الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن صلة الرحم كثيرة جداً: ((احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم)) علاقة رائعة كيف تصل رحمك, ينبغي أن تعرف من هم أقرباؤك؟. ((احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم)) عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال: ((أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول ما بعث وهو في مكة فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قلت: وما النبي؟ قال: رسول الله، قلت: بم أرسلك الله؟ قال: بأن يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام بالبر والصلة)) يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ, فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ, وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ, وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ, فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: ((فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ, إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ - يعني أشد أنواع البر مكانةً عند الله عز وجل-: صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ)) يعني صلة رحمه. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, أَنَّ رَجُلًا قَالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ, فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَبٌ مَا لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ, وَتَصِلُ الرَّحِمَ)) مكانة صلة الرحم كبيرة جداً. عَن أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ, تَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي قُطِعْتُ, يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ, يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ, قَالَ: فَيُجِيبُهَا, أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟)) صلة الرحم هي ضمان اجتماعي أخوتنا الكرام, صلة الرحم باب كبير من أبواب الضمان الاجتماعي، الضمان الاجتماعي في الإسلام له ركنان؛ ركن نسبي، وركن جغرافي، فالقريب والجار، الأحاديث التي تحض المسلم على أن يكون محسناً لجاره لا تعد ولا تحصى، فالضمان الاجتماعي أساسه النسب، وأساسه الجوار. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ, فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ, فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ, فَقَالَ لَهُ: مَهْ, قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ, قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَذَاكِ, قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾)) أوصاني خليلي ألا تأخذني في الله لومة لائم, وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت. يعني صلهم وإن قطعوك, هذا توجيه أعلى. عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: ((بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ, الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا, وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا, وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)) أقرباؤك أولى الناس بمالك: هناك ملامح رائعة في الحديث الشريف، فقرة من حديث طويل: عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((... قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ...)) يعني أحد أكبر أسباب كسب المال: أن تصل به رحمك. سيكثر رزقك بصلة رحمك حدثني أخ, -وهو عندي صادق, أنعم الله عليه بمال كثير-, أقسم بالله ما من شاب في أسرته إلا زوجه، وهيأ له عملاً بهذا المال، يكاد يكون المال بنص هذا الحديث من أجل أن تصل رحمك. أخ من أخواننا الكرام حدثني عن قصة، ورجاني أن أنقلها إليكم: له قريب، يسمع أن هذا قريبه بعد حين من الوقت زاره في العيد، وهو يقسم بالله ما أراد من زيارته إلا أن ينفذ توجيه النبي -عليه الصلاة والسلام-, لم يجده في البيت، وضع له بطاقة، قال له: أنا قريبك، هذا القريب على مستوى أخلاقي رفيع، هو ميسور جداً، زاره في البيت، رد له الزيارة، فإذا ببيته سيء جداً تحت الأرض، لا يرى الشمس، فيه رطوبة عالية، فهذا القريب الأول لما زاره ما خطر في باله ولا واحد بالمليون أن هذه الزيارة ستنتهي ببيت في الطابق الثالث، تأتيه الشمس من كل الجهات، واسع، فهذا القريب لما وجد قريبه في هذا البيت، وعنده أولاد، والشمس أساسية في البيت، فقال له: اشتر بيتًا بحدود مليون، ثم وجد بيتاً بمليونين ونصف, قال له: خذه ولا شيء عليك. حسب هذا الحديث: حينما جعلك الله غنياً من أجل أن تتفقد أقرباءك، لأن الناس أنت لهم، وغيرك لهم، لكن أقرباءك من لهم غيرك؟ لهذا قال الفقهاء: لا تقبل زكاة مال المسلم وفي أقربائه محاويج. هم أولى بك من الغريب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان)) صدقة وصلة أجر مضاعفة، إن وصلت رحمك بمال فالأجر مضاعف، إلا أنني أتحفظ حينما أذكر: أن بعض الناس بدافع من التعصب الأسري لا يعطون أحداً غريباً إطلاقاً، بل إنهم يعطون أرحامهم عطاءً هم ليسوا بحاجة إليه من باب التعصب، هذا مذموم، لكن إن كان لك قريب فقير, فهو أولى الناس بصدقتك وزكاة مالك. أطل عمرك بصلة رحمك: عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: ((إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ, فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَصِلَةُ الرَّحِمِ, وَحُسْنُ الْخُلُقِ, وَحُسْنُ الْجِوَارِ, يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ, وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ)) طبعاً: يزيدان في الأعمار لها معنى جاء به الفقهاء، العمر لا يزيد، ولكن قيمة العمر بعمله الصالح، لو أن دوام المحلات التجارية بحسب القوانين من الساعة التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، وأي إنسان يفتح قبل أو بعد عليه مبالغ كبيرة جداً، فالوقت ثابت، فكيف يتفاوت الناس والوقت ثابت؟ في الغلة، واحد يبيع في اثنتي عشرة ساعة بمليون، وواحد يبيع بمئة ليرة، قيمة العمر بعمله الصالح، فإذا قال عليه الصلاة والسلام: تزيد في الأعمار, يعني تزداد الأعمال الصالحة في هذا العمر المحدود، وكأنه عاش مئة عام، بهذا المعنى. العمل الطيب له قيمة في أي عصر: عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ, فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ)) يعني سبب إسلامك: أنك تحب الخير في الجاهلية. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قِيلَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ, فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ, ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ, قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا)) العمل الطيب له قيمة في أي عصر العمل الطيب له قيمة في أي عصر، حتى في العصر الجاهلي، لذلك هناك قيم جاهلية يفتقر المسلمون الآن إليها، يقول عنترة العبسي: أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها الشجاعة، والنجدة، والمروءة، والوفاء بالعهد، هذه من أخلاق العرب في جاهليتهم, لذلك دقة حديث رسول الله عجيبة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) [أخرجه أحمد في مسنده] أيها الأخوة, والألم يعتصر القلب, هؤلاء المسلمون أو هؤلاء العرب فقدوا هويتهم، لا يتخلقون بأخلاق أجدادهم، ولا بروح العصر، العربي شجاع، العربي كريم، العربي ذو مروءة، العربي عنده وفاء بالعهد، طيب الآن أخلاق العصر: ترى هذه الأمة في أيام تخلفها, لا هي في أخلاق أجدادها، ولا هي في روح العصر، إذاً فقدت هويتها. ما جاء في البر والصلة: في حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ, طَابَتْ نَفْسِي, وَقَرَّتْ عَيْنِي, فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ, فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ, قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ, قَالَ: أَفْشِ السَّلَامَ, وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ, وَصِلْ الْأَرْحَامَ, وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)) الآن هناك أعمال صالحة كثيرة، لكن ما من عمل صالح أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وما من عمل سيء أعجل عقاباً من قطيعة الرحم. يقول عليه الصلاة والسلام: ((ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع)) الآن هناك معنى جديد: طبعاً زارك فزرته، أكرمك فأكرمته، وصلك فوصلته، ليست هذه صلة الرحم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ, وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)) [أخرجه البخاري في الصحيح] قطعت فوصلها. لذلك في بعض الأحاديث: ((أمرني ربي بتسع؛ خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) ربط النبي -عليه الصلاة والسلام- الإيمان كله بصلة الرحم. رجل من خثعم قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الإيمان بالله, قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الأرحام)) بعد الإيمان بالله. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) عمر مديد, ورزق واسع, هل من خير في الدنيا يفوق هذا الخير؟ عمر مديد، ورزق واسع، ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابة، فإن فضل عن ذي قرابة شيء فهكذا وهكذا، ابدأ بنفسك، تثني بأهلك، ثم بأقاربك، ثم بعامة الناس، فالتسلسل بحسب الأولويات. رجل قال للنبي الكريم: ((يا رسول الله, إني أصبت ذنباً عظيماً فهل من توبة؟ قال له: هل لك من أم؟ قال له: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها)) بر الخالة تكفير للذنب. رجل آخر قال: ((أبايعك -يا رسول الله- على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله عز وجل, قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم, قال: بل كلاهما, قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم, قال: فارجع على والديك فأحسن صحبتهما)) الجهاد ذروة سنام الإسلام, في مستواه أن تبر والديك. في مستواه أن تبر والديك. إن الله عز وجل يوصيكم بأمهاتكم، ثم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب. ((فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني)) يجب أن يشعر الابن والبنت أنك حصن لهما، وأنك تدافع عنهما بالعدل طبعاً وبالحق، لكن قوة الدفاع عن الأقارب هذه فضيلة عند رسول الله. تقول السيدة عائشة: ((ما غرت على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان عليه الصلاة والسلام إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت مرةً: فأغضبته يوماً، فقلت: خديجة, فقال عليه الصلاة والسلام: إني رزقت حبها)) أذواقه أخلاقية، عدّ حبها رزقاً من الله عز وجل. أيها الأخوة, الباب واسع جداً، الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام في صلة الرحم كثيرة جداً، معنى ذلك: جزء كبير من منهج الله عز وجل أن تصل رحمك، بل في بعض الروايات: أن امرأة سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أمها قد زارتها، وهي مشركة, أفأصلها؟ قال: صليها، ولو كان الأب والأم مشركين. انتهز فرصة العمر وصل رحمك: أيها الأخوة الكرام, لو تراحم الناس لما كنا في هذه الحال، والله أعلم أن هناك أقارب يملكون ملايين مملينة، وأن لهم أقرباء لا يملكون ثمن طعامهم، ولا يتفقدونهم، وإذا كان في مكان عام، وفي تبرع يقول: مليون، وله أخ شقيق يحتاج إلى قوت يومه ولا يعطيه، أما هذه أمام مئة شخص، أمام خمسمئة شخص فيها وجاهة، فقبل أن تدفع المليون تحت الأضواء ادفع مئة ليرة من دون أضواء. حدثني إنسان قال لي: أنا فلست، فقدت مالي كله، ولي أخ حجمه المالي قريب من مئتي مليون، فسافر إلى بلد مجاور، والتقى بتاجر يتعامل بالبضاعة نفسها، قال لي: دون أن أشعر سألني عن أحوالي فأعلمته أني أفلست، وبكيت دون أن أشعر، أعطاني وقتها مبلغًا يساوي ثمن أربعة بيوت من أجل أن أقف مرةً ثانية على قدمي، وأعطاني بضاعة بالمبلغ نفسه، والإنسان غير مسلم، هذا الأخ يقسم بالله أنه يحب هذا غير المسلم أكثر من أخيه، أخوه يملك مئتي مليون، ما أمده ولا بليرة، وهذا غير المسلم أمده بمبلغ فلكي لكي يقف على قدميه؛ لذلك: ((يا داود, ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها)) أنت أمامك فرصة، أقرباؤك طبعاً، إذا كان الإنسان ميسورًا ساكنًا بحي راق جداً، له قريب ساكن بالدويلعة، والثاني بالمخيم، والرابع بزملكا، والخامس بمديارة، ما أخذه إلى هناك؟ هذه البطولة، هذا أخوك، وقد تكون لك أخت زوجها فقير، مهملة من قبل الأسرة كلها لأن زوجها فقير، أما الزوج الغني فله معاملة خاصة، البطولة أن تصل رحمك ولو كانوا أبعد، يعني إذا زرت أختك التي زوجها فقير يكون عندها عيد، تضن بالزيارة، أما الذي هو منعم عليه تزوره، ما ينتبه لك، يقول: ليس عندي وقت عدم المواخذة، فأنت هذا الذي زرته كان عنده عيد، زر هذا الفقير، اجبر كسره، اجبر خاطره، فصلة الرحم باب كبير، ولكن أقول لكم في نهاية هذا الدرس: يجب أن تنتهي هذه الصلة بالهداية، أنت سلمت عليه، زرته، تفقدت شؤونه. لا تنجز الصلة غايتها إلا بالهداية: تتحقق غاية صلة الرحم العظمى بالهداية بالمناسبة: من هو الذي يستحق زكاة مالك؟ قال تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾ [سورة البقرة الآية: 273] لأن الله عز وجل قال: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [سورة الذاريات الآية: 19] العفيف لا يسأل فيحرم، وهناك إنسان يسأل، ويقتحم عليك، ويلح، ويضايقك حتى تخرج من جلدك، تعطيه حتى تخلص منه، فهذا الذي لا يسأل وهو محروم أولى بزكاة مالك من هذا اللحوح، هذا يقتضي ماذا؟ أن تتفقده أنت، استحلفه بالله أعليك دين؟ كيف وضعه في مواسم المدارس، مواسم المؤونة أحياناً، مواسم الوقود, اسأل في المواسم المهمة جداً، يأتي البرد فجأة، يحتاج إلى إملاء مستودعات الوقود، تفتتح المدارس, يحتاج إلى مصاريف استثنائية، عنده حالة مرضية، يحتاج إلى عملية جراحية، ينبغي أن تسلم عليه، وأن تزوره، وأن تتفقد أحواله، ثم أن تأخذ بيده إلى الله، فإذا انتهت هذه الصلة بالهداية, تكون قد حققت من صلة الرحم غايتها الكبرى. والحمد لله رب العالمين

dimanche 26 mars 2017

جميع الصيغ والألفاظ الصحيحة لتكبيرات العيد

جميع الصيغ والألفاظ الصحيحة لتكبيرات العيد

[ الأذكار ( 202 ) طبعة دار التقوى ] .

قال تعالى : (( ولتكبروا الله على ما هداكم )) قال النووي : ( إن قال ما أعتاده الناس فهو حسن وكل هذا على التوسعة ولا حجر في شيءٍ منها ) [ الأذكار ( 202 ) طبعة دار التقوى ] . وقال الصنعاني : ( وفي الشرح صفات كثيرة عند عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر والإطلاق في الآية يقتضي ذلك ) [ سبل السلام ( 2/101 ) طبعة دار الحديث ] . فهذه صيغ تكبيرات العيد التي وردت عن بعض الصحابة الكرام ، والتي اختارها بعض أهل العلم ... وقد جاء في التكبير آثار متعددة عن الصحابة بألفاظٍ متنوعة فمن ذلك : (( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد )) " روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى " [ لطائف المعارف ( ص 364 ) طبعة دار الحديث ] . وقال إبن قدامة : " وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وبه قال الثوري وابو حنيفة وأحمد واسحاق " [ المغني ( 3/290 ) طبعة دار الهجرة ] . وممن أختار هذا القول : الحافظ ابن رجب الحنبلي [ لطائف المعارف ( ص 364 ) طبعة دار الحديث ] . شيخ الإسلام ابن تيمية [ مجموع الفتاوى ( 24/220 ) طبعة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ] . الشيخ الألباني [ تمام المنة ( ص 356 ) طبعة دار الراية ] . الشيخ ابن عثيمين [ الشرح الممتع ( 5/225 ) طبعة مؤسسة آسام للنشر ] . الشيخ عبد المحسن العباد [ كتب ورسائل عبد المحسن العباد ( 5/262 ) طبعة دار التوحي ] . (( الله أكبر كبيراً ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر وأجل ، الله أكبر ولله الحمد )) رواه الدارقطني في سننه [ ( 2/25 ) ( 1721) طبعة المكتبة العصرية ] . وصححه الألباني في الإرواء [ ( 3/126 ) طبعة المكتب الإسلامي ] . واختاره الشيخ الفوزان [ الملخص الفقهي ( 220 ) طبعة دار الآثار ] . (( الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً )) اختاره النووي في الأذكار [ الأذكار ( ص 202 ) طبعة دار التقوى ] . (( الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد )) [ رواه إبن ابي شيبة في مصنفه ( 2/165 ) طبعة دار الفكر ] . (( لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد )) قال الشوكاني : " جاء عن عمر وابن مسعود " [ نيل الأوطار ( 3/330 ) طبعة دار الحديث] . (( الله أكبر الله أكبر الله أكبر )) وبه قال مالك والشافعي [ المغني ( 3/290 ) طبعة دار الهجرة ] . (( الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً )) رواه البيهقي عن سلمان [ السنن الكبرى ( 3/316 ) طبعة دار المعرفة ] . واختاره ابن حجر [ فتح الباري ( 2/462 ) طبعة المكتبة العصرية ] . والشوكاني [ نيل الأوطار ( 3/330 ) طبعة دار الحديث ] . (( الله أكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد ، الله اكبر واجل ، الله أكبر على ما هدانا )) رواه البيهقي عن إبن عباس [ السنن الكبرى ( 3/315 ) طبعة دار المعرفة ] . وقال الألباني سنده صحيح [ الإرواء ( 3/125 ) طبعة المكتب الإسلامي ] . (( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد )) أجازها إبن تيمية [ مجموع الفتاوى ( 24/220 ) طبعة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ] . وابن عثيمين [ الشرح الممتع ( 5/225 ) طبعة مؤسسة آسام للنشر ] .

vendredi 24 mars 2017

The Holy QuranA Summary of the Quranic ChaptersChapter 4, An Nisa (The Women) (part 2 of 3)

Responsive Page

Description: Part two begins and finishes with some rules about prayer, and includes a discussion about those whom God cursed, the importance of obeying Prophet Muhammad and some verses about emigration. CATEGORY: Articles The Holy Quran A Summary of the Quranic Chapters)

Verses 43 – 57 Prayer and those cursed Oh you who believe do not prayer while you are intoxicated; wait until you know what you are saying (this injunction was later followed with the complete prohibition of alcohol). Likewise, do not pray when you are in a state of impurity until you have taken a complete bath. If you cannot find water to perform ablution before prayer then find clean earth and wipe your faces and hands with it. Those who were given some of the Scripture used it for misguidance and they want you to do the same. God knows your enemies well. Some Jews take the words out of context. God cursed them. The People of the Book (Jews and Christians) should believe in this Quran, it confirms their books. God does not forgive those who associate others with Him; it is a huge sin. Inventing lies about God is a sin. Those who were given part of the Scripture now believe in idols. God cursed them for that and they will never find a helper. They are not more rightly guided than the believers; God has rejected them. If they were given a share of the kingdom they would not share it. The Jews envy Prophet Muhammad, many the mercy and blessings of God be upon him, and his followers for what God has given them but they should remember that they are also from the family of Abraham whom God favoured with the Book, wisdom and a great kingdom (i.e. there is no reason to feel jealous since both the Israelites and Ishmaelites are the offsprings of Abraham). Hell is enough to burn those who turned away. Those who disbelieve in the verses will be herded into the Fire; those who believe will be led into gardens under which rivers flow. They will find there purified spouses and cool refreshing shade. Verses 58 – 70 Obey God and His messenger God’s excellent instructions include returning the things entrusted to you and judging fairly, if you are called upon to do so. Obey God, His messenger and those in authority. If there is a dispute refer it to God and His messenger because that is better and will give the best result. Some people claim to believe yet still want to turn to unjust tyrants for judgment. They are hypocrites that turn away. They will return trying to bring about reconciliation but God knows what is really in their hearts. However you must speak to them, instruct them and try to penetrate their hearts. Messengers were meant to be obeyed. When they wronged themselves, they should have come to you (Prophet Muhammad) and they would have found God’s forgiveness. But no, they will not truly believe until they make you the judge over their disputes. They should have done what they were instructed to do and they would have got a great reward. Whoever obeys God and His messenger will be with the ones on whom God has bestowed His favour. That is a bounty from God.

التفسير المختصر

Width: /
Height: /
التفسير المختصر - سورة الفجر (89) - الدرس (2-2) : تفسير الآيات 15-17، الإبتلاء2.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-06-21

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين. أيها الإخوة الكرام، في سورة الفجْر قوله تعالى الآية الخامسة عشرة: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه...أهانني " الإنسان يتوَهَّم أنّه إذا كان غَنِيًّا فقد كرَّمه الله، وأنَّه إن كان فقيرًا فقد أهانه الله، فالله تعالى يردُّ على هذا الوَهْم ؛ كَلاَّ وهي أداة ردْعٍ ونفْيٍ، ليْسَت نفْيًا فقط، فلو قال لك أحدهم: هل أنت سارق ؟ تقول له: كلاَّ، ترْدَعُهُ على هذه التُّهْمة أما لو سألك: هل أنت جائع ؟ تقول له: لا، فالجوع ليس تُهْمَة، فَكَلاَّ تُضيف إلى النَّفْي الرَّدْع، أي يا عبادي ليس عطائي إكْرامًا، ولا مَنْعي حِرْمانًا، عطائي ابتِلاء، وحِرْماني دواء ؛ وهذا مع التَّفصيل إنسان آتاه الله المال ؛ هل يُعَدُّ المال نِعْمَةً ؟ لا ! هل يُعَدُّ نِقْمَةً ؟ لا ! ليس نِعْمَةً وليس نقْمَة، إنَّما المال ابتِلاء، فهو يكون نِعْمة إذا أُنْفقَ في طاعة الله، ويكون نقْمَةً إذا أُنْفِقَ في معْصِيَة الله، فهُوَ مَوْقوف على كَيْفِيَّة اسْتِخْدامِه ؛ ليس نِعْمَةً وليس نقْمَة وليس عطاءً إنَّما ابْتِلاء، وقِسْ على المال كلّ حُظوظ الحياة، فالذَّكاء هل هو نِعْمَة أم نِقْمَة ؟ هو مَوْقوف على نَوْع اسْتِعْمال الذَّكاء، فلو اسْتَعْمَلْتَ الذَّكاء في أخذ أموال الناس والإيقاء بينهم، وفي قهْرِهِم فَهُوَ ذكاء، ولو اسْتَخْدَمْتَ الذَّكاء في نَشْر الحق، وعَرْضِهِ عرْضًا رائِعًا، وفي تأليف القلوب وحل مُشْكِلاتِهم ؛ الدُّنْيَوِيَّة والأُخْرَوِيَّة فهذا الذَّكاء نِعْمة كبيرة وُظِّف في الحق. طيِّب الوَسامَة ؛ واحِد وسيم، إذا الوسامَة جعلها في الحق بأن دعا إلى الله وشَكْلُهُ وسيم وأنيق، فالناس تُحِبُّ الشَّكْل الوَسيم، أما إن اسْتَخْدَمَ وسامَتَهُ لإغْواء الفتيات فقد جعل هذا الحظّ نِقْمَة ومَعْصِيَةً ؛ فما مِن حظٍّ مِن حُظوظ الدنيا إلا ويُوَظَّفُ في الخير أو الشرّ. دُعينَا مَرَّةً لافْتِتاح مسْجد في الصَّبورة ؛ مَسْجِدٌ رائِع ضِمْن حديقة، ويحوي كلّ المرافق الرائِعَة، والذي بنى المَسْجِد اسْتَقْبلَنا واحِدًا واحِدًا ثمَّ دعانا إلى الغذاء، ثُمَّ ألقيت الكلمات مِن قِبَل عدَدٍ من العلماء وحينما ودَّعَنا كان باشًّا ! رَكِبْتُ مَرْكَبة مُتَّجِهًا إلى دمَشْق فإذا على الطَّرف الآخر مَلْهى ؛ وما مِن موبِقَةٍ إلا وفي هذا المَلْهى، فهذا المَسْجد احْتاج إلى أموال، وهذا الملْهى احْتاج إلى أموال، فالمال واحِد ولكن من المال ما أُنفِق لِيَكون مسْجِدًا، ومنه ما أُنْفق لِيَكون ملْهًى. واحِدٌ آتاه الله تعالى صوْتًا حَسَنًا، قرأ القرآن ؛ مات ولكن صَوْتُه يصدح به إلى يوم القيامة، وهذا مُغَنِّي مات فأُغْنِيَّاتُه تصْدح إلى يوم القيامة، وكذا الخط الحسَن، والمال والعقل والحسَب والنَّسب والأولاد فكلّ هذه ليْسَت نِعَمًا ولا نِقَمًا، إنَّما هي ابْتِلاء ! يا عبادي ليس عطائي إكْرامًا، ولا مَنْعي حِرْمانًا، عطائي ابتِلاء، وحِرْماني دواء ؛ قال تعالى: فأما الإنسان إذا...فيقول " هو الذي يقول هذا الكلام الواهِم والذي يحلم به، فأكثر الناس الآن إذا آتاه الله المال، ويقولون: إذا أحَبَّ عبْدَهُ أرى لهُ مُلْكَهُ ! لا يدَعُ ملْهى، ولا مكانًا مُنْحَطًّا إلا وزارهُ ثمَّ تقول: إذا أحَبَّ عبْدَهُ أرى لهُ مُلْكَهُ ! إذًا الله تعالى لا يحبّ عبده ! مِن مكَّة إلى المدينة إلى الطائف ! ما رأى شيئًا ؛ لا هذه المُدُن الجميلة، ولا هذه الملاهي الضَّخْمَة، إنَّما بِلاد قاحِلة وسوداء، وصحْراء حارَّة فَمِن أين هذه المقولات ؟ إذا أحَبَّ عبْدَهُ أرى لهُ مُلْكَهُ ! قال تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت..." حقيقة الكون، وحقيقة الإنسان، وحقيقة العمل الصالح، فهذه نُقْطة دقيقة جدًا ؛ حُظوظ الدنيا مِن مال ونَسَب وحسب وجمال وذكاء واخْتِصاصات، وهذه الشهادات العالِيَة قد يسْتخدِمُها لابتزاز أموال الناس ؛ لأنّ الناس يُصَدِّقونه، فلو قال الطبيب للمريض لا بدّ لك مِن تخطيط، فهل يستطيع المريض أن يُناقِشَهُ ؟! وقد يقول لك: لا بدّ لك مِن ثمانِيَة تحاليل ! أما إن وظَّف الإنسان اخْتِصاصه في خِدْمة المسلمين أصبحَ نِعْمة، فَيُمكِن لك أن تَحُلّ مليون مشكلة وأنت في المنصب، وممكن بالمنصب نفسه تكسب مليون مشكلة كل يوم ! ويكون منْصِبك هاوٍ بك إلى أسفل جهنَّم، إما أن تُحِق الحق لِوَجه الله، وإما أن تُحِقَّ الباطل مُقبل مبْلغ تأخذه، وحينها يصبح الحق باطلاً، والباطل حقًّا، لذلك قالوا بآخر الزمان قاضيان إلى النار وقاضي إلى الجنَّة، وفيها تعديل وهو قاضيان إلى النار وقاضٍ إلى جهنَّم ! الحُكْم لِمَن يدْفَع، وهذه مُشْكِلَة، لذلك أيها الإخوة، الحُظوظ تُوَظَّف في الحق وتُوَظَّف في الباطل. أحد إخواننا العلماء كان بِبَلَدٍ إسْلامي، فقالوا له أحد كبار الأغنِياء قدَّم لِطَلبة العلم الشرعي بسيط ؛ كم ؟ ثلاثمائة مليون دولار ! فقال: والله أُحبّ أن أرى هذا الإنسان، فأقاموا جلسة للفطور، فجاء هذا العالم الدِّمَشقي حتَّى يلْتقي مع هذا الغنِيّ المُحْسِن، فما جاء هذا الغنِيّ ! انْتَظَر ساعة وأكثر، فسأل عنه أين هو ؟ فقالوا له: جاء وله الآن وقد بقي طويلاً ينتظر ولكن مِن شِدَّة أنَّه مُتواضع لا يظهر عليه أنَّهُ دفه مبْلَغًا كهذا ! أما أحدهم يدْفع خمسة وعشرون ألفًا فتراه يحبّ أن يجلس على الرُّخام ! أنا والله أغْبط العلماء، فقد يصِلوا إلى أعلى مرتبة بالجنَّة، ويُنافِسوا أكبر عالم في الإسلام، وهكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا حسد إلا في اثنتين:..." فالغنيّ المؤمن إذا وظَّف ماله في الحق وصل إلى رتبة كبيرة ؛ فَكَم كم أسرة تُعاني البؤس وشقاء المعيشة ؟ وكم من إنسان يحْتاج إلى عَمَلِيَّة جراحِيَّة ؟ وكم من شابٍّ طرق الزواج مُغْلَقَة أمامه، فمجال العمل الصالح بالمال لا يُعَدُّ ولا يُحْصى، والأغنياء المؤمنون يمكنهم أن يصلوا إلى أعلى مرتبة في الجنَّة بِمَالهِم فقط ! كما أنَّ العلماء يصلون بِعِلْمِهم وإنْفاقِه فالمال إذًا قُوَّة تُوَظَّف في الحق فتُؤتي أُكلها يانِعَةً. شيخ الأزهر السابق جاد الحق، فَمَشى بِجَنازته ستَّة ملايين إنسان، ساكن بِبَيْت مائة متر طابق رابع، ومعه الْتِهاب مفاصِل ! وتحت يدِهِ مئات الملايين للأزْهر، ولا توجد قريَة بِمِصر إلا أنشأ فيها معهد شرعي تابِع للأزهر، وتُوُفِّيَ وهو فقير، فالعِبْرة أن يموت الإنسان على حقّ، فالعالم إذا توَفَّى يُحْدِث هزَّة للعالم كلِّه له، ترك تفسير قرآن ودعوة إلى الله وصَحْوة إسلامِيَّة، وهناك مَن ترَكَ ملْهى فهو له صَدَقَة جارِيَّة إلى يوم القيامة ! فالقَصْد مِن كلامي ؛ أنّ الحُظوظ إما أن تُوَظَّف في الخير، وإمَّا في الشرّ، يقولون لك في بعض البلاد المُجاوِرَة كازينو ؛ القاعة الواحد مُكَلِّفَةً لثلاثين مليون دولار ‍‍!! قاعة قِمَار، وحفلة بِفُنْدق خمسة نجوم كلَّفَتْ سِتِّين مليون ؛ حفلة عرس ! لو تأمَّن بيتًا بِمئة ألف في أطراف دمشق، وخمسين ألف لوازم الزوج، فكم مِن شابٍّ سيَتَزَوَّج ؟! لذلك الكفار إذا أنفقوا الأموال أنفقُوها إسرافًا وتبْذيرًا، وإن منعوها منعوها بُخْلاً وتقْتيرًا. أحد إخواننا أراد أن ينشأ جامِعًا في نَهْر عيشَة، فوَجَد قطْعَةً مساحتها ثلاثمائة متر لإنسانٍ مُدَرِّس فقير معاشُه ثلاثة آلاف ليرة فقط، وهو أرخَص معاش في الدَّوْلة، فهذا الغنِيّ أراد أن يشتري هذه القطعة وثمنها ثلاثة ملايين ونصف ! فباعهُ هذا الفقير القطعة بِمليونين، وقال له: مليون ونصف هذه عند التنازل للأوقاف، فهذا الغنيّ لا يفْهم شيئًا من هذا ! فقال له ما الأوقاف ؟ قال الغنيّ: هذه نريد أن نُقيمَها جامِعًا فقال الفقير: جامِع ! فقَطَّع الشيك وقال له: أنا أوْلى أنْ أُقَدِّمَها لله منك ! يقول هذا الغنيّ: والله ما احْتَقَرْتُ نفْسي وما صَغُرَت أمام إنسان كانْذِلالها أمام هذا الفقير الذي راتبُهُ زهيد، ما هي الدنيا ؟ عمل صالِح فابْذُل علْمك ومالك ووقْتَك وخِبْرتَكَ حتّى تُلاقي الله وهو راضٍ عنك قال تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه...كلا "ليس عطائي إكرامًا ولا منْعي حِرْمانًا ، عطائي ابْتِلاء، وحِرْماني دواء، أنت مُبْتَلى فيما أُعطيتَ وفيما مُنِعْتَ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام: اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عونا لي فيما تحب، وما زللت عنِّي ما أحبّ فاجْعَلْهُ لي فراغًا فيما تحبّ. والحمد لله رب العالمين

التفسير المختصر - سورة العلق (96) السورة بكاملها لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-07-19 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين . سورة العلق : أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول الله عز وجل في سورة العلق : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ سورة العلق الآيات : 1-5 ] اقْرَأْ أول آية نزلت : أوَّل آية أُنْزِلَت في كتاب الله تعالى : اِقرأ ، فهذا الدِّين العَظيم دِينُ عِلْم ودينُ حقيقة ، ودين مَنْهج ودليل وتَعليم وعَقْل ، إلا أنَّ القِراءة مُطْلقة وواسِعَة جدًا ، ويجب أن تقرأ باسم ربِّك ، وما لم تَخْتَر مَوْضوعًا يَنْفَعُكَ في الدنيا والآخرة فهذه القِراءة لا تنْفَع ، وقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام ربَّهُ فقال : (( اللهمّ إنِّي أعوذ بك مِن عِلْمٍ لا ينفَع ، ومِن قلبٍ لا يَخْشَع ، ومِن عَيْنٍ لا تَدْمَع ، ومِن أُذُنٍ لا تَسْمَع )) وليس كُلّ عِلْمٍ نافِع ، فَهُناك عِلمٌ نافِع وغير نافِع ، وليس كلّ عِلمٍ مُسْعِد ، والعِلم الدِّيني هو وحْدهُ المُسْعِد في الدنيا والآخرة ، فقوله تعالى : ﴿ اقْرَأْ ﴾ فهِيَ قِراءة ليْسَت مُطلقَة ؛ بل قِراءَةً تنتهي بِها إلى ربِّك ، وتتعرَّفُ بها إلى ربِّك ، وتُعَظِّم فيها ربَّك ، وقِراءَةً هادِفَة . قال تعالى : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [ سورة العلق الآيات : 1-3 ] الإكرام الإلهي : أكْرَمَك بِنِعْمة الوُجود ، وأكْرَمَك بِنِعْمة الإيجاد والإمْداد ، والهُدى والرَّشاد ، ثمَّ قال تعالى : ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [ سورة العلق الآية : 4 ] قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ  عَلَّمَ الْقُرْآَنَ  خَلَقَ الْإِنْسَانَ  عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [ سورة الرحمن الآيات : 1-4 ] فالبيان إحْدى نعَم الله الكُبرى على الإنسان ؛ بالنُّطْق والسَّماع تنتقل المعارِف بين المُتعاصِرين ، ولكن بالقلم والكتابة والقراءة تنتقل المعارف بين الأجْيال ، وبين الأُمَم ، فلولا نِعْمة القَلَم لما انْتَفَعتْ أُمَّة بِأُمَّة ، ولا جيلٌ مِن جيل ، والدليل نأخذ أحد العلماء ؛ الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ، كان يَحْضُر درسه عدد كبير جدًا فلما انتهى التواصل الشَّفَهي ومات انتهى عِلْمُهُ ، أما حينما ألَّف كتاب عِلْم الأحياء فَعِلْمُهُ مُسْتَمِر إلى يوم القيامة ، فبِالكتابة تنتقل المعارف من جيلٍ إلى جِيلٍ ، ومِن أُمَّة إلى أخرى . أيها الإخوة ؛ قال تعالى : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى  أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾ [ سورة العلق الآيات : 6-7 ] فالإنسان في ساعة الافْتِقار يقول : يا ربّ ، فإذا أغْناهُ الله وأتَمَّ عليه نِعْمة الصِّحة والمال ينسى الله عز وجل ، فالإنسان المؤمن يشْكر الله وهو في الرَّخاء ، ولكنَّ الشارِد يَذْكره وهو في الافْتِقار والشدَّة ، لذا : يستغني ، يتجاوَزُ حُدوده ، ويتجاوَز في تَصَوُّراتِهِ ، وفي سُلوكِهِ ؛ متى ؟‍ ﴿ أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾ أنْ رأى نفْسَهُ مُسْتَغْنِيًا عن الله ، لذلك إما أن ترى نَفْسَك مُفْتَقِرًا إلى الله ، وإما أن يُريكَ الله افْتقارَك إليه ، إن رأَيْتَهُ وَحْدكَ فهذه نِعْمةٌ عُظْمى ، فالصَّحابة الكِرام رأَوْا افْتِقارهم إلى الله في بَدْر فَنَصَرَهُم الله ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ سورة آل عمران الآية : 123 ] لكنهم في حُنَيْن رَأَوْا كَثْرَتَهُم فَخَذَلَهُم الله ، قال تعالى : ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [ سورة التوبة الآية : 25 ] فأنت إن رأَيْتَ افْتِقارَك تَوَلاَّك الله ، وإن اعْتَدَدْتَ بِقُوَّتِك وعِلْمِك ومالِك ، واسَتَغْنَيْتَ عن الله ضِمْنًا خذَلَك الله ، لذا مع الاسْتِغْناء الخِذْلان ، ومع الافتِقار الإمْداد والرِّعايَة ، إذًا يُمكن أن نقول : أنت كلّ يوم في امْتِحانَيْن ؛ امْتِحان الافْتِقار ، وامْتِحان الاسْتِغْناء ، فبِافْتِقارِكَ يتولاَّك الله ، وباسْتِغْنائِكَ يَكِلُكَ الله إلى نفْسِكَ ، ومَن توكَّل على نفْسِهِ أَوْكَلَهُ الله إيَّاها ويُؤتَى الحَذِرُ مِن مَأْمَنِهِ ، ويُؤْتى صاحِب الاخْتِصاص من اخْتِصاصِهِ وصاحِب التَّفَوُّق من تَفَوُّقِهِ ، وصاحِبُ المال مِن مالِهِ ، لذا كُلَّما اسْتَغْنَيْتَ عن الله عز وجل أُخِذْتَ من اخْتِصاصِك ، ومِن مَأمَنِك وتَفَوُّقِك ، قال تعالى : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى  أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى  إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [ سورة العلق الآيات : 6-8 ] الموازنة الإلهية : الآن وازِنْ بين شَخْصَيْن ؛ قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى  عَبْداً إِذَا صَلَّى ﴾ [ سورة العلق الآيات : 9-10 ] رَجُلٌ يَنْهى الناس عن الصلاة ؛ حديثُهُ كاذِب ومُنْحَرِف ولئيم وأناني وكاذِب ومُنافق ودجَّال ، ما دام يقطع الناس عن الصلاة فَهُوَ مع شَهوَتِهِ ومُنْقَطِع عن الله ، قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ  فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَوَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِفَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَالَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَالَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَوَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [ سورة الماعون ] قال تعالى : ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ سورة القصص الآية : 5 ] أين الجواب ؟ اُنْظر إلى أفعالِهِ وشَخْصِيَّتِهِ ووُعودِهِ وكلامِهِ ودناءَتِهِ وخِيانَتِهِ ، واحْتِيالِهِ واعْوِجاجِهِ فأخْلاقُهُ المُنْحَرِفَة أقْوى دليل على انْحِرافِهِ ، وهو أصْغَر مِن أن يُناقَش ألا يَكفي أنَّهُ كذَّاب ؟ ومُحْتال ؟ وأناني ؟ وقَذِر ؟ ويَخُون ؟ أرأيْتَ إن كان على الهُدى ؛ اُنْظر إلى صِدْقِهِ وأمانتِهِ وعِفَّتِهِ واستِقامَتِهِ ومُروءَتِهِ وتواضُعِهِ ورَحْمَتِهِ ، سُلوك المؤمن أكبَر دليل على إيمانِهِ ، وسُلوك المُنْحَرِف أكبر دليل على إيمانِهِ ، وسُلوك المُنْحَرِف أكبر دليل على انْحِرافِهِ ، فهذه الآية قَوِيَّة جدًا ! قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى  عَبْداً إِذَا صَلَّى ﴾ [ سورة العلق الآيات : 9-10 ] انْتَهَتْ الآية ! أرأيْتَ إلى أخْلاقِهِ وطِباعِهِ وعلاقاتِهِ وقَسْوِتِهِ وعلاقتِهِ بِزَوْجَتِهِ وأولادهِ ، قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى  أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾ [ سورة العلق الآيات : 11-12 ] قال تعالى : ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ  نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [ سورة العلق الآيات : 15-16 ] مِن أشدّ أنواع التَّنكيل أن تَمْسِكَ الإنسان بِمُقَدِّمة رأسِهِ وتضرب الأرض بِرَأسِهِ ! تضْرب به فناصِيَةُ الإنسان مقدِّمة رأسِه ، قال تعالى : ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ ماذا يوجَد في ذِهْنِهِ ؟ خُبْث واخْتِيال ، وشَطط وتَفْكير بالمعاصي ، قال تعالى : ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ [ سورة العلق الآية : 17 ] يأتي الإنسان يوم القِيامة وَحْده فَرْدًا ، فَهُوَ في الدنيا له جماعَة ، وأتْباع وأعْوان ، فالإنسان أحْيانًا قد يَحْتاج إلى العِقاب فيأتي مائة تلفون يتوسَّطون لِهذا الشَّخص ! معنى ذلك أنَّ له أتْباع ، وشبَكَة مُواصلات ، وهذه الشَّبَكة تنتهي يوم القيامة ، قال تعالى : ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ [ سورة العلق الآية : 17 ] ليس معه أحد ، تقول له : يا بني جَعَلْتُ لك صَدْري سِقاءً وبَطْني وِعاءً وحجري وِطاءً فهل مِن حسَنَةٍ يعود عليَّ خبرها اليوم ؟ فيقول : يا أُمِّي ليتني أسْتطيعُ ذلك إنَّما أشْكو مِمَّا أنت تَشْكين ، قال تعالى : ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون الآية : 101 ] وقال تعالى : ﴿ لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ﴾ [ سورة الكهف الآية : 48 ] ثمَّ قال تعالى : ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ  كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [ سورة العلق الآيات : 18-19 ] فإذا قال لك إنسانٌ : لا تُصَلِّي ! فلا تُطِعْهُ واسْجُد واقْتَرِب . سألني البارِحَة إنسان يعْمل في مُؤَسَّسة وصاحِبُها مؤمن ، يَمْنَعُهُ مِن صلاة الجُمُعة ، وهو تحت طائِلَة الطَّرْد من العمل !! فقُلْتُ له : لِيَطْرُدْكَ من العَمَل والله هو الغَنِيّ ولا طاعة لِمَخلوق في مَعْصِيَةِ الخالق . قالتْ له : إما أن تكْفر وإما أن أدَعَ الطَّعام حتى أموت ؛ سـيِّدُنا سَعْد ، فقال لها : يا أُمِّي لو كانت لك مائة نفْس فَخَرَجَت واحِدة تلْوَ الأخرى لما كفَرْتُ مُحَمَّد ، فَكُلي إن شئتِ أو لا تأكُلي !! ولا طاعة لِمَخلوق في مَعْصِيَةِ الخالق . والي البصرة قال : إنَّ يزيد يأمرني أن أُنَفِّذ كذا وإن نفَّذْت الأمر عصَيْتُ الله . فقال الحسن : إنَّ الله يَمْنَعُكَ من يزيد ولكنَّ يزيد لا يَمْنَعُكَ من الله ! يأتي مرض خبيث لا يُمْكِن أن يُخَلِّصَهُ أحَد ، أقْرَبُ الناس يبتعِدُ منك ! يأتي عِقاب أليم ، أما إن كنتَ مع الله يُخَلِّصُك من كلّ أحَد ، ويمنع كلّ أحدٍ منك ، أما إذا كنت مع الجبابرة فلا أحد يمنعُكَ منهم ، ولا أحد يمنَعُكَ من الجبار الأعلى . إنَّ الله يَمْنَعُكَ من يزيد ولكنَّ يزيد لا يَمْنَعُكَ من الله ! ولا طاعة لِمَخلوق في مَعْصِيَةِ الخالق ، قال تعالى : ﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ والحمد لله رب العالمين

6746 التفسير المختصر - سورة السجدة (32) - الدرس (6-6) : تفسير الآيات 28-30 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-10-20 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين. أيُّها الإخوة الكرام، الآية التاسعة والعشرون، والتي بعدها مِن سورة السَّجدة، وهي قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)﴾ [ سورة السجدة ] هاتان الآيتان تُشيران إلى معنى خطير جدًا ؛ الفَتْحُ هو النَّصْر بِمُطْلق معانيه، فَيَوْمُ القيامة هو يوم الفَتْح، وفيه تنْكشف الحقائق، ويظْهر الحق أبلج، وسيختفي الباطل ويسقط، وإذا نصَر الله دينه في الحياة الدنيا فهذا يوم الفتْح. الفتْحُ هو النّصر، فهم يقولون: متى هذا الفتْح اسْتِهزاءً ‍! الجو بدقيق جدًا، قال تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)﴾ [ سورة السَّجدة ] لو أنَّ أستاذًا قال لِطُلابِهِ غدًا مُذاكرة، وسوف يكون لها تأثير كبير في نجاحِكُم هذا العام، فأحدُ الطلاب ما عبأ بِهذا التَّنبيه، ولم يدْرس، ففي اليوم التالي إذا دَخَل المُدَرِّس، وقال افْتَحوا الأوراق واكْتُبوا الأسئِلة فهذا الذي فتَحَ الأوراق ولم يعْبأ به، ألم يوقِن الآن يقينًا قَطْعِيًا أنَّ الآن يوجد مُذاكرة ؟! وهل ينفَعُهُ هذا اليقين ؟ ماذا نسْتفيد من هاتين الآيتين؟! نسْتفيد الحقيقة التالِيَة وهو أنَّ الإنسان في موضوعات كثيرة له خِيار قَبول ورفْض إلا في موضوع الدِّين فَخِيارُهُ خِيار وَقْتٍ فقط ! فإمَّا أن يؤْمِنُ الآن في الحياة، والقلبُ ينبِض، ويتمتَّعُ بِصِحَّتِهِ، أو لا بدّ مِن أن يؤْمِن حينما يأتيهِ ملكُ الموت، وسوف يؤْمِن، ولكنَّ هذا الإيمان الذي سيأتي مُتأخِّرًا لا قيمة له إطْلاقًا. يُمْكِن أن نقول الفِكْرة الأساسيَّة في هاتين الآيتين ؛ خِيارُكَ مع الإيمان هو خِيار وَقْت، وليس خِيار قَبول أو رفْض، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)﴾ [ سورة السجدة ] هم يقولون هذا اسْتِهزاءً ! ولكنَّ الحقيقة إن لم تؤْمِنوا الآن بِيَوم القيامة وتسْتَعِدُّوا له، وتسْتقيموا على أمْر الله، حينما يأتي اليوم الآخر سوف تُؤْمنون به إيمانًا يقينِيًّا مِن أعلى درجة ولكنَّ هذا الإيمان لا ينْفعُك قال تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)﴾ [ سورة السَّجدة ] فما قَوْلُكَ أيُّها الأخ الكريم أنَّ أكْفَرَ كُفَّار الأرض مِن دون اسْتثناء والذي قال: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [سورة القصص] والذي ذبَّحَ بني إسْرائيل، هذا الطاغِيَة فِرْعَون حينما أدْرَكَهُ الغرق قال، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ(90)﴾ [ سورة يونس ] فكان الجواب من الله عز وجل، قال تعالى ": ﴿أَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(91)﴾ (سورة يونس ) أرجو الله تعالى أن يُوَفِّقني لإيضاح هذه الفِكْرة، أنت سوف تُؤمِن شئْتَ أم أبَيْت ! ولكن إن لم تؤمن الآن وأنت صحيح الجسم وقوي ومُدرِك، وفي بَحْبوحة، فإيمانُكَ بعد فوات الأوان لا قيمة له، ولن يُجْدِيَكَ إطْلاقًا، فأنت إما أن تؤمن الآن، وإما لا قيمة لإيمانك بعد فوات الأوان، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)﴾ [ سورة السجدة ] تروي كُتُب الأدب أنَّ بِرْكة ماءٍ فيها سمكات ثلاث ؛ كيِّسَة وأكْيسُ منها وعاجِزة، قيل: فاتَّفقَ مرَّة في ذاك المكان صيَّادان، فأبْصَرا الغدير، وما فيه مِن السَّمَك، فتَوَاعَدا أن يرْجِعا ومعهما شِباكُهما لِيَصيدَا ما فيه مِن السَّمَك - هذه قِصَّة رمْزِيَّة رواها ابن المُقَفَّع في كتابه كليلة ودِمنة- قال: فسَمِعَت السَّمكات قولهما، أما أكْيسُهُنّ فإنَّها ارْتابَتْ وتخوَّفتْ وقالتْ: العاقل يَحْتاط للأمور قبل وُقوعِها، ولم تعْرُج على شيءٍ حتَّى خرجَت من المكان الذي يدْخل منه الماء من النَّهر إلى الغدير فَنَجَتْ قال: وأما الكيِّسة أو الأقلّ عقْلاً فَمَكثَتْ في مكانِها حتَّى عاد الصَّيَدان فذَهَبَت لِتَخرج من حيث خرَجَت رفيقتها فإذا بالمكان قد سُدّ، فقالتْ: فرَّطت وهذه عاقبة التَّفريط ! إلا أنَّها قالتْ: لكنَّ العاقِلَ لا يقْنطُ مِن منافِعِ الرَّأي، ثمَّ إنَّها تماوَتَتْ فطفَت على وَجْه الماء فأخذَها الصَّياد بيَدِهِ ووضَعَها على الأرض بين النَّهر والغدير، فوثَبَتْ في النَّهر فنَجَتْ ! قال: وأما العاجِزَة فلم تزلْ في إقبال وإدْبارٍ حتَّى صِيدَتْ وهذا المثَل ينطبق على بني البشَر فهناك العاقل جدًا، قال عليه الصلاة والسلام: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ )) [ رواه الترمذي ] فالعاقل دان نفْسه، بِمَعنى ضبطَ، ضَبَطَ دَخْله وتحرَّى الحلال وضبَطَ بيْتَهُ وزوْجته، وبناتِه وضبط لِسانه، وعينه وسمْعه، وضبط ما يأكله أَحَلال أم حرام ؟ وضبط ما يخرج من الكلام ! فالمؤمن كيِّس. أيها الإخوة الكرام، كلّ إنسانٍ يعيش لحْظته دون أن يُفَكِّر في المستقبل هو إنسانٌ غَبِيّ ! لأنَّ هذه اللَّحْظة الراهنة لا تدوم، فالدُّوَل العُظْمى تُخَطِّط لِسَنة ألفين وألفين وعشرة، والدُّوَل أقل تطوُّر تعيش بِرُدود الفِعْل، والأكْثر تَخَلُّف تتحدَّث عن ماضيها، فالذَّكاء أن تُخَطِّط للمستقبل، فالإنسان إذا أغْفل موضوع الموت من بين حِساباته اليَوْمِيَّة وأغفَل دُخول القبر، وأغْفل أنَّهُ سَيُسْأل عن كلّ ما يفعله، سوف يُصْعق عند الموت، لذلك من حاسب نفسه في الدنيا حِسابًا عسيرًا كان حِسابُهُ يوم القيامة يسيرًا، ومن حاسب نفسه في الدنيا حِسابًا يسيرًا كان حِسابُهُ يوم القيامة عسيرًا ! فالمعنى الذي بين هاتين الآيتين أنَّكَ لا بدّ أن تؤْمن بأعلى أنواع الإيمان، ولكنَّ هذا الإيمان الذي يأتي مُتأخِّرًا وعن النِّزاع، وفي فِراش الموت ؛ فهذا الإيمان لا ينْفعُكَ إطْلاقًا وكأنَّه لم يكُن، فالعِبْرة أن تؤمن في الوقت المناسب، وخِيارك مع الإيمان خِيار وَقت ؛ احْفظوا هذه الجملة. وكما تعلمون أنَّ الإنسان بين أيَّام ثلاثة، قالوا: ما مضى فقد فات والمُؤَمَّلُ غَيب، ولك الساعة التي أنت فيها، وكثير مِمَّن ينامون ولا يسْتيقظون، وخرج ولم يرْجع، هذا شيء بديهي، ومَن أعدَّ غدًا مِن أجلهِ فقد أساء صُحْبة الموت، فما دُمْتَ لا تمْلِكُ نِهاية الحياة، فلأسْتَغِلّ هذه اللَّحظة التي أنا فيها، وقد ورد بالحِكم أنْ هلك المُسوِّفون ! المُسَوِّف هو الذي يُؤَجِّل التَّوبة والصلاة والاسْتِغفار والاسْتِقامة. قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)﴾ [ سورة السجدة ] المستقبل في صالح المؤمن، وليس في صالح الكافر، والباطل يجول جَوْلةً ثمَّ يضْمَحِلّ أما المؤمن ينتظِر من المستقبل كلّ المستقبل، قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾ [ سورة التوبة ] فَمُضِيّ الزَّمن في صالح المؤمن لأنَّه يزيدُه إيمانًا وتألُّقًا، وعملاً صالِحًا ولكنَّ الزَّمَن مع الكافر يَحوي مُفاجآت، فهو ينتظر عِقاب الله تعالى وتَدْمير مالهِ، وينتظر قصْم العلاقات الزَّوْجِيَّة، فالزَّمَن لا يلِدُ إلا المصائب للكفار، ولا يلِد إلا الإكرام والعطاء للمؤمنين، وفي قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾ [ سورة التوبة ] سرٌّ، تقول: هذه الآلة لي ؛ هذه لامُ المُلْك، ولا يُمَلَّك إلا شيء ثمين، أما على فَهِي تُفيد المسؤوليَّة، قال تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(134)﴾ (سورة البقرة ) على تُفيد القهْر، أما اللام فَهِي تُفيد التَّملّك، فالآية جاءت: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ(51)﴾ [ سورة التوبة ] فَفَرْقٌ كبير بين كتَبَ لنا وبين كتَبَ علينا ! قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(15)﴾ [ سورة الجاثية ] فعلى تُفيد القهْر، أما اللام فَهِي تُفيد التَّملّك. أيها الإخوة، نَخْلص من هاتين الآيتين إلى أنّ خِيار الإنسان مع الإيمان خِيار وَقت، وليس خِيار قَبول ورفْض، وطوبى لِمَن عرف الله في الوقت المناسب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا )) [رواه الترمذي] والحمد لله رب العالمين

التفسير المختصر - سورة الجاثية (45) - الدرس (1-3) : تفسير الآية 21 لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1996-02-04 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين. أيُّها الإخوة الكرام، الآية الواحدة والعشرون من سورة الجاثية، وهي قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] أوَّلاً إذا توهَّم الإنسان لِثانِيَة واحِدَة أنَّه يمْكنُ أن يُعامِلَ المحْسِنُ كالمُسيء والمستقيم كالمنحرف، والذي له دَخل حلال مع الذي له دخْلٌ حرام والكاذب مع الصادِق ؛ إذا اسْتويا هؤلاء فهذا الاسْتِواء يتناقض مع وُجود الله، ويتناقض مع كمالِهِ، ويتناقضُ مع عدالَتِهِ، وأقْسِمُ بالله العظيم لو لم يكن في كاتب الله إلا هذه الآية لَكَفتنا جميعًا. ربُّنا عز جل يُطَمئِنُنَا ؛ أنَّه لا يمْكن أن يُعامَلَ المؤمن كالكافر، أو الكافر كالمؤمن، لا يُعامَل المستقيم كالمنحرِف، والصادق كالكاذب والمخلص كالخائن، والرحيم كالقاسي، والذي يكْسِبُ المال الحلال مع الذي يكْسِبُ المال الحرام ؛ هذه آية ولكن يقول قد يقول أحدكم: المستقيم له أجر، ولعلَّ الأجْر في الآخرة، وليس في الدنيا ! نحن نقول له الآية تقول: ﴿مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] محياهم في الدنيا، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾ [سورة النحل] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾ (سورة طه) معنى ذلك أنَّ المؤمن حياته في بيْتِهِ، وحياته في عمله وصِحَّته وأولاده وأهْلُهُ، وسُمْعتهُ ومكانته ؛ هذه مُتَمَيِّزَة، لذا ورد انَّه إذا رُئِيَ أولياء أُمَّتي ذُكِر الله بهم ! حينما قال الله عز وجل عن بعض الطُّغاة: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ(29)﴾ [سورة الدخان] هذا الكلام في علم أصول الفقه قاعدة اسْمُها العِلم المُخالف ؛ هؤلاء الذين أساءوا حينما ماتوا ما بكَت عليهم السماوات والأرض، فالذين أحْسنوا إذا ماتوا ما الذي يكون ؟ تبْكي عليهم السماوات والأرض، والأرض تتبارَك بالمؤمن. أيُّها الإخوة، أن يستوي المؤمن وغير المؤمن ؛ هذا غير ممكن، ويتناقض مع كمال الله، إنسان مُسيء، ويغُشُّ الناس، ويحْتال عليهم ويعتدي عليهم، ويبني حياته على فقرهم، أَتُريد من الله عز وجل أن يُعامل المؤمن كغير المؤمن ؟! مؤمن مستقيم، ومؤمن يخاف الله، وفي قلبه خَشية وخوف، ويبْحث عن الدِّرهم الحلال، ويُنفقُهُ في الوجه الصحيح، فهذا خلاف من يسلب أموال الناس، لذلك الآية الكريمة: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ(18)﴾ [سورة السجدة] وقال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)﴾ [سورة القلم] وقال تعالى ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61)﴾ [سورة القصص] وقال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى(9)عَبْدًا إِذَا صَلَّى(10)﴾ [سورة العلق] وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِي(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي(26)يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)﴾ [سورة الحاقة] وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(107)﴾ [سورة آل عمران] فهذه مسافة كبيرة جدًّا بين المؤمن وغير المؤمن، لذلك يتوهَّم الإنسان ويقول: شيءٌ يُحَيِّر ! هذه الآية تدفع عنك الحَيرة، لا يمكن أن يُعامَل المحْسِن كالمُسيء، إنسانٌ دَخلُهُ حلال، وبِمالٍ قليل ينتفِعُ به انتِفاعًا كبيرًا، وبِمالٍ كثير يُدمَّر المال ولا يُنتفَعُ به، وإنسانٌ اختار زوْجةً صالحة مؤمنةً متديِّنة يسْعَدُ بها وتَسْعَدُ به، أما من تزوَّجها لِجَمالها فقط أذَلَّهُ الله تعالى، ومن تزوَّجها لِمالها أفْقرَهُ الله، ومن تزوَّجها لِحَسَبِها زادَهُ الله تعالى دناءة. وإنسان بنى دَخلَهُ على إفساد أخلاق الآخرين، صاحب دار سينما جمَّع ثروةً طائلة قبل خمسة وعشرين عامًا، وجمَّع خمسة ملايين، وأُصيب بِمَرض خبيث، وله ابن أخت هو تلميذي، فقال لي: رأيْتُهُ يبكي، فقال له: ما لك تبكي ؟‍‍‍! فقال له: جَمَعْتُ هذا المال لأتمتَّع به في خريف عمري، وهذا المرض قد عاجلني، فهذا جَمَع المال على حِساب أخلاق الشَّباب، وعلى حساب دينهم، وتوجُّههم إلى الله عز وجل، فالمال الحلال له عند الله حِساب، والحرام له حِساب، والمُحْسِن له حِساب والمسيء له حِساب، والعابِد له حِساب وغير العابد له حِساب، والأمين له حِساب، والخائن له حِساب، أما حينما تتوهَّم أنَّه قد يسْتوي الخائِن والأمين، والصادق والكاذب، والأب الكامل والأب المُتَفَلِّت، والأمّ الحنون، والأم المتفلِّتة، والمعلِّم الذي يُلْقي درْسهُ بإخلاص والمعلِّم الذي لا يلقي درسه بإخلاص، والطبيب الذي ينْصحُ المريض، والطبيب الذي لا ينصحُ المريض ويبْتزّ ماله، والمحامي الذي يعلمُ أنَّ هذه القضِيَّة سلفا فيأخذُها ويُماطِل الموكِّل إلى ما شاء الله، والمحامي الذي ينْصح الموكِّل. الله عز وجل عنده لِكُلّ إنسانٍ درجة، فإذا كان على وَجه الأرض خمسة آلاف مليون إنسان، فهذا يعني أنَّه يوجد خمسة آلاف مليون درجة، والدليل قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(19)﴾ [سورة الأحقاف] فأنت لك عند الله تعالى درجة بمَعرفتِكَ واسْتقِامَتِكَ، وبإخلاصك، بِأُبوَّتِكَ الكاملة، وبُنُوَّتِكَ الكاملة، والإنسان العاق غير الإنسان البارّ، فلذلك أيُّها الإخوة هناك معايير دقيقة، قال تعالى: فو ربِّك لنسألنَّهم أجمعين عمَّا كانوا يعملون أنت إذا أنفذت نملة وأنت تتوضَّأ فهذه لها عند الله ثمن، وما أكْرمَ شابٌّ شَيْخًا لِكِبَر سِنِّه إلا سخَّر الله له مَن يُكْرِمهُ عند سِنِّه، وبُرُّوا آباءَكم تبُرُّكم أولادكم. أيُّها الإخوة الكرام، عليكم أن لا تتوهَّموا ولو ثانِيَة أنَّ المُحْسِن يُعامَل كالمُسيء، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] لِمَ لم يقل أم حَسِبَ الذين كفروا واجْترحوا السيِّئات ؟ طبعًا الحسَنَات تحتاج إلى إيمان، أما السيِّئات فلا تحتاج إلى إيمان لأنَّ غير المؤمن سيَكذب ويسرق ويزني ويحتال على الناس، ويظنُّ نفسهُ ذَكِيّ وهو أحمقهم، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] اجْتِراحُ السيِّئات يعني أنَّك لسْتَ مؤمنًا، والإمام الغزالي يقول: يا نفسُ لو أنَّ طبيبًا منعَكِي مِن أكْلةٍ تُحِبِّينها، فلا شكَّ أنَّك تمْتَنِعين، أفيَكون الطبيب أصدَقَ عندك من الله ؟ فما أجهلكي، فكلُّ إنسانٍ يرتَكِب معْصِيَة فهذا مدموغ، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] ثمّ قال تعالى: ﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] تدخل إلى بيت ثمنهُ ثلاثين مليون فإذا بالدَّاخِل جحيم لا يُطاق، ونَكَد، وبغْضاء، وخُصومة، والأب في جهة والزّوجة في جهة أخرى، وبالمقابل تجد بيتًا متواضِع وفي الجبل والدّخل محدود جدًّا، وأهله في نعيم مطلق، فعند الله كلّ شيءٍ بِحِسابه قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾ [سورة الجاثية] فالذي يموت بالمسجد، والذي يموت بِلَيلة القَدر، ويموت وهو يتلو القرآن يموت بين أهلِهِ مُعَزَّزًا مُكَرَّما، وآخر تجد قد مات بالمرحاض ! وقد يموت ولا يدري به أحد، ويموت وهو يركِّب الدّش ! فالإنسان يأتيه ملك الموت بِطَريقةٍ يُلَخِّص حياته كلَّها، ومرَّةً كنتُ بِتَعْزِيَة وأمامي شيخ عالم، وبعدها خرج من التَّعزِيَة، فما مشَى رجل لا يعرفه ولا يعرف اسمه، وبيت هذا الرَّجل إلى جانب التَّعزِيَة، فأراد أن ينقلَهُ إلى بيتِهِ، فهذا الشيَّخ أوصله هذا الأخ إلى بيتِهِ، فصَعِدَ الطوابق الأربعة، ودخل بيتهُ، ودخل إلى غرفتِهِ، ونزع العمامة، واسْتلقى في الفراش، وسُلِّم أمرهُ إلى رب الأرض والسماء ! فهذا لو أراد أن يأخذ التَّاكسي لما وصل إلى بيتِهِ !! فالله سخَّر له إنسان لِيُوصِلَهُ إلى بيتِهِ، ويموت على سريره. وبالمقابل كنتُ مارًّا بالحريقة فوَجَدتُ إنسانًا مُلقى ميِّتًا على الأرض، فرجعتُ من العَمَل بعد ثماني ساعات وهو على حاله الأولى ! فهذه الآية يجب أن تبقى في أذْهاننا وعقولنا، وكلّ شيء بِحِساب دقيق، فالمال فيه بركة، والزَّوجة الصالحة مُسْعِدَة، تَسْعَدُ وتُسْعِدُ، قال تعالى: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(221)﴾ (سورة البقرة ) هذه الآية محْوَرِيَّة، وإحْدى دعائِم العقيدة وهو أنَّ الله بيَدِهِ كلّ شيء ويُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. والحمد لله رب العالمين

الحديث الشريف

Width: / Height: /
تعريف الحديث الشريف، وأعدادها السبت 28 ربيع الأول 1423 - 8-6-2002 رقم الفتوى: 17465 التصنيف: الحديث الشريف السؤال ماهي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما عددها؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية، أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها، وهو بهذا التعريف يرادف السنة، قال الإمام السيوطي في ألفيته: والمتن ما انتهى إليه السند من الكلام والحديث قيدوا بما أضيف للنبي قولاً أو فعلاً وتقريراً ونحوها حكوا أما عن عدد الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن حصرها من الصعوبة بمكان، نظراً لورود الأحاديث بروايات مختلفة، وألفاظ متفاوتة، قال الإمام السيوطي في تدريب الراوي: وقال ابن الجوزي: حصر الأحاديث يبعد إمكانه، غير أن جماعة بالغوا في تتبعها وحصرها. انتهى. وليعلم السائل الكريم أن المطلوب تجاه السنة هو العمل بها والحرص على حفظها ونشرها، فإن معرفة العدد لا يغني شيئاً عن عارفه، ولكن العمل به هو المطلوب الأول لكل طالب علم أو سائل. والله أعلم.
Width: / Height: /
أطول حديث للنبي عليه الصلاة والسلام الإثنين 6 جمادى الأولى 1423 - 15-7-2002 رقم الفتوى: 19358 التصنيف: الحديث الشريف السؤال ما هو أطول حديث للنبي؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الكتب التي صنفت في علوم الحديث لا تذكر ضمن مباحثها كلاماً عن أطول حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما اطلعنا عليه، وإنما لم تذكر لسببين: الأول: أن الإحاطة بجميع الأحاديث الواردة بحيث يتمكن من معرفة أطول حديث منها أمر من الصعوبة بمكان. الثاني: وهو الأهم.. أن معرفة أطول حديث لا ينبني عليه أمر عملي بالنسبة للمكلف أو بالنسبة لعلوم الحديث، والعاقل لا يسعى إلى علم ما لا فائدة من وراء علمه. والله أعلم.
Width: / Height: /
عنترة بن شداد في الحديث النبوي الأحد 1 ذو القعدة 1425 - 12-12-2004 رقم الفتوى: 56702 التصنيف: الحديث الشريف السؤال هل يوجد أي أخبار أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن عنترة بن شداد وهل عاصر البعثة؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلم نطلع فيما وقفنا عليه على حديث ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه عنترة بن معاوية بن شداد العبسي، وقد تحدثت عنه كتب الأدب والأخبار والتاريخ، وتواترت الأخبار بشجاعته حتى أصبح مضرب المثل، قيل إنه توفي قبل الهجرة بحوالي سبع سنين، جاء ذلك في كتاب جواهر الأدب وغيره. والله أعلم.
Width: / Height: /
أول جامع للحديث النبوي الأربعاء 24 رجب 1425 - 8-9-2004 رقم الفتوى: 53148 التصنيف: الحديث الشريف السؤال أول من جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن السنة لم تدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دون القرآن، وإنما كانت محفوظة في الصدور نقلها الصحابة إلى من بعدهم من التابعين مشافهة، إلا ما كان لبعض الصحابة من صحف يدونون فيها بعض ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن عمرو، وفكر عمر بن الخطاب في تدوينها ولكنه عدل عن ذلك. وأول من أمر بجمعها عمر بن عبد العزيز فأرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دوس العلم وذهاب العلماء. ولكنه لم يدون كل ما في المدينة من سنة وأثر وإنما فعل هذا الزهري وكان معاصراً لعمر بن عبد العزيز وكان يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه، لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم بالسنة منه، فدون كل ما سمعه من أحاديث وأقوال للصحابة غير مبوَّب على أبواب العلم، وبذلك كان الزهري أول من وضع حجر الأساس في تدوين السنة ثم شاع التدوين في الجيل الذي يلي جيل الزهري فجمعه بمكة ابن جريج وابن إسحاق وبالمدينة سعيد ابن أبي عروبة والربيع والإمام مالك وبالبصرة حماد وبالكوفة الثوري وبالشام الأوزاعي وهكذا، ثم جاء القرن الثالث فكان أزهى عصور السنة فصنفت المسانيد كمسند الإمام أحمد ومسدد وإسحاق بن راهويه ثم الصحاح البخاري ومسلم ثم ألفت بعدها السنن لأبي داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. والله أعلم.

السيرة النبوية

Width: / Height: /
حول السيرة والأحاديث النبوية الخميس 7 صفر 1434 - 20-12-2012 رقم الفتوى: 193945 التصنيف: الحديث الشريف السؤال تحية، وبعد: كم عدد الأحاديث الشريفة؟ وكم منها الصحيح وكم المتفق عليه وكم الضعيف؟ كم سنة عاش الرسول عليه الصلاة والسلام قبل الرسالة وبعدها؛ حيث وجدت في كتب أنه عاش قرابة سبعين عاما، وأيضا ستين، وأيضا ثلاثا وستين . وأنه عندما بدأ تبليغ الرسالة كان عمره ما بين الثلاثين عاما والثلاثة والثلاثين عاما؟ وفي تعداد الحديث لقد وجدت أكثر من عدد حيث تجاوز المليون حديثا شريفا. أرجو التكرم بأن تمنحوني الإجابة الصحيحة ولكم مني كل شكر وعرفان. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلا توجد أرقام مفصلة لعدد الأحاديث النبوية, وكذلك لا توجد أرقام مفصلة للصحيح منها, أو الضعيف. وانظر فتوانا رقم: 117788 . ثم إن كنت تقصد بقولك: (وكم المتفق عليه) المتفق عليه الاصطلاحي، وهو ما اتفق عليه البخاري ومسلم, فاعلم أن المراد بموافقة مسلم للبخاري هو موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابيه وإن وقعت بعض المخالفة في بعض السياقات. كما قاله الحافظ ابن حجر. وهناك كتب ألفت فيما اتفق عليه البخاري ومسلم؛ ومن الكتب الممتازة في ذلك: كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي وذكر فيه ( 2006) حديثا اتفقا عليها. وأما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاش ثلاثا وستين سنة, وبعث بالنبوة والرسالة وعمره أربعون سنة، ولها تبعث الرسل كما قال ابن عباس, وعليه فقد عاش أربعين سنة قبل النبوة، وثلاثا وعشرين سنة بعد النبوة, وعاش بعد البعثة ثلاث عشرة سنة في مكة, وعشر سنين في المدينة. ولمزيد من التفصيل في هذه المسائل تراجع كتب السيرة ومنها: سيرة ابن هشام، وزاد المعاد لابن القيم، والرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري. وغيرها من كتب السيرة. والله أعلم.

أحكام اليمين< الأيمان والنذور >

AutoHotkey
الحلف بالأمانة، وقول: أمانة

الأحد 7 جمادى الآخر 1438 - 5-3-2017 

رقم الفتوى: 347530
التصنيف: أحكام اليمين

  	

	



السؤال
سؤالي هو: سمعت من صديقي أنه لو قال لي كلاما، وقلت له: (أمانة) وكنت أقصد مثلا سؤاله: هل هذا الكلام أمين، أي صحيح؟ سمعت أن قول أمانة، يعد من الحلف بغير الله. فما صحة ذلك؟ وإذا كان من الحلف بغير الله. هل يمكنكم إعطائي أمثلة تقريبية على ذلك، وتبرير السبب؛ لكي تتضح لي الصورة؟ وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فأمانة في مثل هذا السياق، وبهذا القصد، ليست يمينا قطعا، ولا شيء فيها.

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن: رجل أراد أن يشتري من تاجر سلعة، فأعطاه ثلاثة أنواع منها، فقال له الرجل: تخبرني عن الأفضل من هذه السلع، وقال التاجر: بالأمانة هذا هو الأفضل، وكلا الرجلين لم يقصد يمينا، وإنما قصدهما ائتمان أحدهما الآخر في الإخبار بالحقيقة، ويسأل هل هذا يعتبر كفرا وإلحادا؟

الجواب: إذا لم يكن أحدهما قصد بقوله: بالأمانة، الحلف بغير الله، وإنما أراد بذلك ائتمان أخيه في أن يخبره بالحقيقة، فلا شيء في ذلك مطلقا، لكن ينبغي ألا يعبر بهذا اللفظ الذي ظاهره الحلف بالأمانة، أما إذا كان القصد بذلك الحلف بالأمانة، فهو حلف بغير الله، والحلف بغير الله شرك أصغر، ومن أكبر الكبائر؛ لما روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك» وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بالأمانة، فليس منا» وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (لأن أحلف بالله كاذبا، أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا). انتهى.
وللفائدة، يرجى مراجعة هذه الفتوى: 216955.
 

والله أعلم.
  • حلفت لخطيبها ألا تفعل شيئا ما دون علمه ثم فعلته بعد فسخ الخطبة الأربعاء 26 جمادى الأولى 1438 - 22-2-2017 رقم الفتوى: 346756 التصنيف: أحكام اليمين السؤال حلفت على المصحف، لخطيبي، بأني لن أتكلم مع صديقاتي في الجامعة، وألا أفتح حساب فيس بوك، وأتحدث معهن دون علمه، وفعلا لم أتحدث معهن، لكن بعدها ابتعد عني، ،واتهمني بالكذب، وطلب مني الانفصال؛ فانفصلنا، فرجعت أتحدث مع صديقاتي، وفتحت حساب فيس بوك، وأتحدث معهن، وهو على علم بهذا؛ لأننا انفصلنا. لكن أريد أن أسأل: إذا كنت قد حلفت على المصحف بالباطل أم لا؟ مع العلم أني حلفت على ألا أفعل هذه الأشياء دون علمه، وأنا معه، لكننا الآن انفصلنا، وكان هو السبب. وشكرا. الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فما دمت قد حلفت على أن لا تفعلي هذه الأشياء دون علم خطيبك السابق، حال كونه لا يزال خطيبك، فلا شيء عليك إذا فعلت ذلك بعد فسخ الخطبة. ونحذر السائلة من وسوسة الشيطان في ذلك؛ بل الواجب عليها الحذر من الوسوسة في جميع أبواب الدين، فإن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم. وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 32303، 172839. والله أعلم.
  • من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأتها وليكفِّر عن يمينه الأربعاء 12 جمادى الأولى 1438 - 8-2-2017 رقم الفتوى: 345790 التصنيف: أحكام اليمين السؤال منذ عشر سنوات حلفت أنني إذا لم أنجح في الامتحان النظري للسياقة، فلن أعاود الكرة، فلم أنجح حينها، ولكنني بعد سبع سنوات كررت المحاولة، ونجحت في الامتحان، لكنني عانيت كثيرًا في تعليم السياقة، واستغرق الكثير من الوقت حتى قدموني للامتحان، وعذاب الضمير لا يفارقني؛ لأنني حنثت في اليمين، مع أنني أخرجت الصدقات ـ والحمد لله ـ وأديت العمرة، وأشعر دائمًا أن فشلي هو عقاب من الله؛ لذا فأنا حزينة وقلقة دائمًا من هذا الموضوع. الإجابــة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فننصحك بأن تهوني عليك الأمر، فإن الرسوب في السياقة أمر عادي، ويكثر حصوله لبعض الأشخاص الماهرين في السياقة، واعلمي أنه لا حرج عليك في إعادة الامتحان مرة أخرى بعد أن أقسمت أن لا تعيديه، وإنما تلزمك كفارة يمين؛ وذلك لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: أعتم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله، فوجد الصبية قد ناموا، فأتاه أهله بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل الصبية، ثم بدا له فأكل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها، وليكفِّر عن يمينه. أخرجه مسلم. وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ـ إن شاء الله ـ لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير. متفق عليه. والله أعلم.

    Add html modal form below Code:
    X

    Add new Appointment

    First name:

    Last name:


    Jquery below Code: test page
    X

    Add new Appointment

    First name:

    Last name:


    background :

    First name:

    Last name:

    السلام عليكم، !

    First name:

    Last name:

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، !

    Search
    Enter a query:

    بوابة خدمة العملاء
    '', '
    ', '', '
    ', '', '
    ', '
    ', '
    ', '', '
    ', '', '
    ', '
    ' '

    Result

    ', '

    ', 'Date: ' + data.date + '
    ', 'Color: ', '

    '

     

    Animate.CSS Replay?
    Lock